خلف طيات سنين وجهه الحائر وتجاعيده التي خطت في زمن الرجال، وبملامح العربي الفارس، اجتمع التضاد لتشكل في ثنايا ذاك المحيا الغامض ابتسامة المنتصر وحسرة الخاسر وحكايا من ذاكرة الحرب.. لم يكن يوما من أصحاب الفخر الزائف، وظل منصفا حتى في سرد البطولات، والتي لم يكن ليرويها أبداً لولا استفزازه بسؤال: ان عاد بك الزمن هل ستحارب مرة أخرى؟ فكان جواب عينيه الدامعتين أسرع من لسانه قبولا وتأكيدا.. كيف لا وهو أحد جنود كتيبة المدفعية السادسة والذي شارك بحرب 1967 "حرب الستة" كما كانت تسمى آنذاك وهو ممن درب عددا من مقاتلي الكرامة على قيادة الدبابات والتي حلم خوضها مع رفقاء السلاح... هو من شارك في أيلول... هو من زحف على تراب فلسطين مدافعاً.. هو السبعيني عبد الرزاق عبدالله أبو فارس الحياري.. قال لي عقب سؤاله، وبصوت مختنق مستذكرا "بعد ما خسرنا حرب الـ67 من اليهود روحنا معفرين بالتراب اللي متصاوب واللي شاف الموت بعيونه وملامح الحرب مبينة علينا.. وصلت عند دارنا وكانت بقرية "أم جوزة" بالسلط وسبقني خبر رجعتي عند أمي الله يرحمها والكل من أهل القرية بهنوني بالسلامة إلا أبوي كان زعلان وقال لي "إخس عليكم ضيعتوا القدس ومن يومها للآن وأنا أتمنى أن تعود الأيام بلكي فزنا ورجعناها أو استشهدت وكان حلمي أنول الشهادة".. ذاكرته وبحكم السن لم تعد كالسابق الا أن بعض المشاهد لا تزال محفورة بقلبه قبل عقله خصوصا تلك الطائرة الاسرائيلية من طراز "أوريجان" والتي كانت تضرب الصواريخ على مقربة أمتار منهم في مدينة جنين بفلسطين .. الا أنه ورفيق سلاحه "عبد الرحمن" أصرا على الصمود فكان الخيار اما النصر أو الشهادة ليسقطوها بآخر ما تبقى معهم من القذائف وتكبيراتهم تعلو صوت الانفجار.. لم ينس أيضا ذاك الجندي من محافظة معان والذي أصر على مقاتلة اليهود رغم الخسارة وانسحاب الجنود.. فظل متوجها صوبهم بدبابته لحين أن نفدت كل ذخيرته "لقنهم درسا بمعاني الرجولة" فبعد نفاد الذخيرة أصر على التقدم والمقاومة لحين أن تكالب عليه "اليهود" وقتلوه.. وفي منطقة "المسعودية" بطول كرم وعقب مناورات مع العدو فوجئوا بطائرة تقصف احدى المجنزرات الاردنية والتي كانت على بعد أمتار منه ليسقط سائقها أمام عينيه شهيدا .. ينقل الحياري مشاهد الحرب من نابلس تارة ومن طول كرم تارة اخرى، ومن جنين إلى منطقة حوارة بمحافظة اربد وحتى منطقة "H4" بالقرب من محافظة المفرق والتي التقى فيها الجيش الأردني مع العراقي حينما كانت طائرات العدو تلاحق كلاهما بمساعدة الاعلامي المصري "أحمد سعيد" والذي كان يعمل وقتها مذيعا في صوت العرب وصاحب المقولة المشهورة "تجوع يا سمك" فكان ما ان تقدمت الجيوش العربية إلى مكان يبدأ هو بنقل تحركاتهم وإذاعتها عبر موجات الاذاعة ليرصد العدو تلك التحركات بمساعدته.. يقول الحياري "الله أعلم اذا كان قاصداً التآمر مع اليهود بفعلته هذه .. لكنه كان سببا رئيسيا بمعرفة العدو لتحركاتنا ونكستنا" .. الحياري يقول: رغم الهزيمة الا أن الجيش الأردني قدم أروع البطولات .. فقتل العديد من الجنود الاسرائيليين وقدم نحو 6000 جندي من الشهداء، ويضيف "والله قبل ما نخسر الحرب كان احساسنا بعيون الغدر والبوق كبيراً والحكي مش زي الشوف" اللي شاف الجيش الأردني كيف كان يقاتل كان يقول إننا جيش لا يعرف الهزيمة... لكن سيوف الغدر طعنتنا من القريب قبل البعيد... اكتفى الجندي الأردني بكلمات منوطة بالحسرة على الخسارة، والفخر لما سجله الجيش الأردني من بطولات فقال "زي جيشنا ما حد عمل لكن لعنة الله على من كان إلو ايد بخسارتنا،.. مؤكدا "والله لو ترجع الأيام لأحارب اليهود مرة ثانية لعل مناي بالنصر أو الشهادة يتحقق "بلكي أبوي فرح بقبروا بارجاع القدس"... ويختم الجندي الأردني حديثه لـ عمون بتأكيده أن "الرجال هم من يسجلون المواقف" وقال "يابا الزلم راحت من زمان لو في زلام كان ما صار اللي بنشوفه بغزة"... -

Source - المصدر : See more at: http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleno=202223#sthash.aJYdabmu.dpuf
Pinterest Twitter Google

>