الشهيد محمد الحمد الحنيطي من ابوعلندا، والذي تعتبرق صته نموذجا رائعا للتلاحم بين الشعبين الاردني والفلسطيني دفاعا عن ثرى فلسطين، ورمزا للوحدة الوطنية.
قصة الشهيد الحنيطي جسدتها الدراما الاردنية في مسلسل انتجه وعرضه التلفزيون الاردني على شاشته لاول مرة خلال شهر رمضان 2012 ، حيث كانت حادثة استشهاده مرحلة مفصلية، اثرت على معنويات المقاومة الفلسطينية والعربية وسقطت بعدها حيفا وفلسطين في ايدي عصابات الهاغانا والارغون التي عاثت في ارض فلسطين فسادا .
المناضل الحنيطي صنفته بعض الروايات على انه الاستشهادي الأردني الأول على ثرى فلسطين، حيث شارك فصائل الجيش العربي الأردني وأبناء الشعب الفلسطيني الأبي دفاعهم عن قدسية الأرض وصون كرامة الإنسان العربي.
ولد الشهيد الحنيطي في بلدة (أبوعلندا) شرق عمان عام 1913، حيث تقطن عشائر الحنيطي، بعد أن اشتد عوده، انضم لصفوف الجيش العربي، لعدة أعوام برتبة ضابط ميدان، حيث رأى فيه زملاؤه نموذجاً ؛ سريع البديهة، ذكياً، متحملاً للصعاب، ومخلصاً لوطنه ولأرضه ولأمته.
وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني عام 1947 بدأت الصدامات المسلحة بين العرب واليهود، وقد تشكلت في قرى المنطقة فرق للحراسة والمقاومة نواتها من المتطوعين الأردنيين والفلسطينيين والسوريين والعراقيين واللبنانيين والسعوديين، حيث تعرضت القرى الفلسطينية للعديد من الهجمات اليهودية، وذلك في شباط وآذار 1948 بهدف تأمين المواصلات اليهودية على طريق حيفا – يافا القديم، إلا أن المسلحين المتطوعين قاموا بضرب المواصلات اليهودية بهدف قطع وصول المساعدات والإمدادات اليهودية، فما كان من القوات الإسرائيلية إلا أن قامت بمحاصرة القرى وقصفها .
نصب الحنيطي لقيادة سرية الجيش العربي الأردني في حيفا، فتوجه من مقر قيادة الجيش العربي ليتسلم زمام الأمور قائدا لحامية حيفا، استشعر قادة الهاغانا هناك خطر دخول قوات اردنية بقيادة الحنيطي، لما سيشكله ذلك من اعاقة لمخططاتهم في الاستيلاء على المدينة، فعملوا جاهدين لدى قائد الانتداب البريطاني ستوكهويل في محاولة منهم لتقييد حركة الحنيطي ومن التحق معه من جنود الجيش العربي ومنهم ارفيفان المجالي، وفرضوا عليه وقف عمليات التدريب الروتينية داخل معسكر الجيش العربي في حيفا، لكنه كان ومن معه يمارسون نشاطاتهم بشكل سري في تدريب المناضلين الفلسطينيين، والتخطيط لعمليات المقاومة.
عاصر الحنيطي حرب عام 1948 وكانت سريته في منطقة "فاينري" في حيفا، وبعد ضغوطات الانتداب البريطاني بفعل تحريض عصابات الهاغانا، اضطر الحنيطي للاستقالة من الجيش، والتحق بقوات المناضلين في حيفا وكان عمره لا يتجاوز ثلاثين عاماً، وساهمت قدرته العسكرية في قيادة المعارك على أوكار العصابات اليهودية في مدينة حيفا.
عمل الحنيطي على تنظيم المقاتلين الذين اختلفت تابعيتهم لأكثر من جهة، موزعةً بين أبي إبراهيم الصغير ومجموعة أخرى تابعة الى اللجنة العربية، وأخرى تابعة للجنة القومية في حيفا، فوحَّد الفرق تحت إمرته وقام بتقسيم المدينة الى عشر قيادات تحت إمرته بمساعدة قادة من الوطنيين الفلسطينيين مثل سرور برهم وعبد الخطيب، وأبو نمر وغيرهم، بالاضافة الى مجموعات كبيرة من أبناء طيرة حيفا.
بعد تنظيمه للقوات في حيفا وزعها الحنيطي على النقاط الحساسة، وإعلن النفير العام، وطلب من السكان التزود بالمؤن والماء والوقود استعداداً للمعركة، كما اتخذ موقعه في مدينة حيفا عند مكان يدعى "حمام الباشا" واستطاع بعد عدة هجمات متتالية بقيادته للوطنيين الفلسطينيين على أوكار الهاغانا في حيفا، من الاستيلاء على كميات كبيرة من اسلحة ألعدو، وشراء كميات من مخازن جنود الإنجليز الذين باعوا أسلحتهم قبل نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين في 15 أيار 1948 .
وفي 14 آذار من عام 1948 وقعت معركة حامية الوطيس بقيادة الحنيطي ورجاله استمرت لمدة 18 ساعة، حيث تقدمت مجموعة من عصابات الهاغانا الى معاقل المناضلين الكائنة في وادي الصليب، والكولونية، والقشلة، وساحة الخمرة، والمركز التجاري حيث تمكنوا من دحر الهاغانا، وتكبيدهم خسائر عديدة.
بعد حدوث نقص بكمية الذخيرة لدى المناضلين، وتزايد عمليات التفجير من قبل العصابات اليهودية في حيفا، سافر الحنيطي ومساعده الفلسطيني سرور برهم الى بيروت سراً لإحضار الأسلحة والذخائر من الهيئة العربية العليا في بيروت.
وبحسب المصادر العبرية فان جهاز الاستخبارات التابع للهاغانا نقل معلومة لقيادة كتيبة "كرميلي" تفيد بان قائد القوات العربية في حيفا الحنيطي توجه الى بيروت للتزود بالذخيرة والمتفجرات والاموال.
وفي يوم 17 اذار 1948 توجهت قافلة مكونة من شاحنتين كبيرتين محملتين ب 12 طنا من الاسلحة والذخيرة اشتملت على 550 بندقية فرنسية الصنع، و120 الف طلقة، و2 طن من المتفجرات، وفي صيدا انضمت للقافلة سيارة محملة بالسلاح والذخيرة كهدية من سكان المدينة اللبنانية، ووصلت القاقلة الى راس الناقورة ومن هناك اتصل الحنيطي برفاقه يخبرهم انهم في طريقهم الى حيفا، ورصدت استخبارات الهاغانا تحركاته واتصالاته، واوصلت المعلومة لقائد كتيبة "كرميلي" موشيه كرميل الذي اوعز لقائد السرية 21 لاعتراض قافلة الحنيطي ومصادرة ما بها من اسلحة.
قطعت القافلة الحدود اللبنانية، وكان انضم اليها اثنا عشر مقاتلاً من حامية حيفا، بحيث أصبح عدد جميع أفرادها 24 شخصاً، في صباح اليوم ذاته مرت من عكا ولم تتوقف هناك، وعند مرور القافلة في مفرق كريات موتسكن اعترضتها سيارات الهاغانا، واوقفتها، فوقعت هدفاً لكمين محكم التدبير أمطر القافلة بالرصاص، وأدى الى استشهاد خمسة عشر من مرافقيها، بمن فيهم القائد الحنيطي وسرور برهم وفخري البرد وإصابة الشيخ نمر الخطيب بجراح بالغة. انفجرت إحدى الشاحنتين الكبيرتين بما فيها من ذخيرة وأحدث انفجارها دوياً هائلاً في حين أفلتت الثانية وسيارة خصوصية أخرى وعادتا الى عكا".
قبل ان تكتب له الشهادة مع مساعده سرور برهم، وعندما تيقن الحنيطي ان الشاحنة الثانية من القافلة والتي لم تفلح بالهرب مثل الاولى، ستقع غنيمة كبيرة في يد عصابات الهاغانا، القى الحنيطي وبرهم، بحسب بعض الروايات، قنابل يدوية قبل ان يلفظا انفاسهما الاخيرة لتنفجر الشاحنة وما بها من ذخيرة لتحدث انفجارا قويا سمع دويه في شمال فلسطين وجنوب لبنان، وتذكر بعض الروايات ان الانفجار احدث حفرة كبيرة في الارض بعمق 20 مترا، ودمر عدة منازل ومصنعا للذخيرة في مستعمرة موتسكين.
بحسب الادبيات العبرية فقد استشهد في العملية 17 مناضلا بينهم القائد الحنيطي، واعتبر اليهود ان هذه العملية كانت احدى العمليات القليلة الناجحة لهم بعد هزائم متتالية لحقت بهم طيلة شهر اذار 1948 على يد المناضلين الفلسطينيين والعرب، وجرى لاحقا وضع نصب تذكاري في المكان .
بعد ذلك، عهدت اللجنة العسكرية الى الرئيس أمين عز الدين قائد قوة الحدود الفلسطينية بمهمة الدفاع عن حيفا وأن يكون آمراً لحاميتها خلفا للملازم أول الحنيطي الذي استشهد في 17 آذار من عام 1948 .
استشهد محمد الحنيطي على ثرى فلسطين الطاهر، فاستحقت قصته عملا دراميا كبيرا يليق به، فكان مسلسل "بوابة القدس.. الطريق الى باب الواد" الذي ركَّز على أهمية التلاحم الأردني الفلسطيني عبر التاريخ، من النواحي الإنسانية والاجتماعية والسياسية، والذي تطرق ايضا للروابط والجذور المشتركة للعائلات الأردنية والفلسطينية هنا وهناك.