- مذكرات خليل سليم سماوي ( 1901 - 1935 م ) - الفحيص في العهد العثماني- يبدو أن ريف الأردن لم يدرس بعد ، ولا شك لدينا بأن الدراسات التي بدات منذ ثلاثة عقود فتحت أمامنا أبواب وملفات تاريخ الوطن ، وكان التوجه نحو الأرشيف العثماني هو الفيصل ، لقد أذهلنا الكم الكبير من المعلومات للوطن في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ، كنا من التبعية العثمانية ، وكان التحفز نحو تحقيق الهوية القومية والمواطنة العربية يحرك الأجداد ، وقد رصدت الدراسات الأكاديمية التي تبنتها الجامعات الأردنية هذه الصفحة من تاريخنا .. كنا من أطراف بلاد الشام ، واعتدنا ان نقرأ تاريخ الحواضر الكبيرة في بلاد الشام ، واعتدنا أن تهمش الدراسات التي تقودها الجامعات العربية و الغربية قبل تأسيس الجامعة الأردنية ، هذا الجزء من العالم العربي .. كنا نظن ان هذا الجزء الذي نراه القلب النابض بين بلاد الشام والجزيرة العربية و العراق ومصر .. كنا نظنه كما صورته الدراسات التقليدية ممرا للقبائل وبلا حضارة ، حتى فتحنا الأرشيف العثماني وبدات الدراسات الأكاديمية الجادة .. وبدأنا نقرأ صفحات تاريخ الوطن الذي نراه المركز بامتياز .. مركز الطرق التجارية بين الوطن العربي الآسيوي والإفريقي .. وقطب الحياة في طريق الحج الشامي ومعبر الحراك السكاني لكل اهالي بلاد الشام وللحجاج المغاربة الذين يستقرون فيه ولأهالي الحجاز ونجد والعراق .. إنه القلب بامتياز وتوأم فلسطين عبر التاريخ .
ولو توقفنا عند حركة الأهالي من السلط والفحيص منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ، لوجدناها تختصر ما نقول ، فقد فتحت السلط أبوابها للوافدين من القدس ونابلس فاستقروا فيها استقرارا دائما ، وفتحت القدس ونابلس أسواقها لحركة يومية لأهالي السلط والفحيص ، كان أهالي الفحيص يعرفون القدس كما يعرفون السلط ، وعندما أحسوا بأن الجيش العثماني المنهزم أمام الجيش البريطاني عام 1918 م قادم إلى السلط والفحيص بعد انسحابه منهزما ، هاجروا لائذين بالقدس .. هاجروا إلى المدينة المقدسة التي بعرفونها شبرا شبرا وبقوا فيها قرابة العام .. هذا المدخل يقودنا إلى مذكرات خليل سماوي الذي وصف الجزئيات بأمانة وذكاء . .. وهو ما قدمناه طوال 42 حلقة في زاوية أوراق الأجداد ، وفتحت هذه المذكرات أمامنا باب الهجرة التي نراها ظاهرة تستحق القراءة والتحليل .
الهجرة من الفحيص
بين يدي الآن قائمة لمهاجري الفحيص إلى أمريكا الجنوبية بما فيها المكسيك كما ذكرها البدوي الملثم في كتابه الممتاز ( الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية ) وقائمة أخرى تكرم الأستاذ صخر سمير بجمعها مع صور المهاجرين حسبما يعرفها اهالي الفحيص ، وسأوازن بينهما ، مع التنويه على أننا نميل للأخذ بقائمة السيد صخر سمير التي تعتمد الرواية المحلية والتنقيب عن المهاجرين الذين يعرفهم الأهالي بكل تأكيد .
قائمة البدوي الملثم
ذكر البدوي الملثم أن فضيان العيس السماوي كان أول مهاجر أردني من الفحيص ، وكانت وجهته عام 1897 م إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، لكنه لم يتمكن من الدخول إلى امريكا الشمالية ، وتمت إعادته إلى مرسيليا في فرنسا ، ونفهم من هذا أنه بقي في السفينة المغادرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولم ينزل إلى البر ، وكانت مرسيليا هي المرفأ الذي يتلاقى عنده كل الغرباء ، فما كان من فضيان إلا أن هاجر من مرسيليا إلى كولومبيا ، ويذكر البدوي الملثم أنه دخلها مهربا وبقي فيها ستة أعوام ، وفي عام 1904 م عاد فضيان من كولومبيا إلى الفحيص ، وقد عاودته رياح الهجرة ليسافر عام 1924 م إلى كوبا حيث بقي فيها حتى عام 1926 م وعاد بعدها إلى الفحيص ، وقد مر معنا في مذكرات خليل سماوي الإشارة إلى أن فضيان هو أقدم المهاجرين وأنه رغم غربته الطويلة ظل يعمل بتجارة الكشة أي الدوار الذي يحمل البضاعة ويدور بها في الشوارع وعلى البيوت ، وهي مهنة غالبية المهاجرين العرب إلى الأمريكيتين . يتتبع البدوي الملثم حالة الهجرة من الفحص إلى تشيلي ، ففي سنة 1910 م هاجر ميخائيل الخوري خليل الصويص واستقر في بلدة كيوتا وظل فيها حتى سنة 1920 م ثم ذهب إلى فينيا دلمار للتجارة واستقر فيها ، وفي عام 1945 م أسس محلا تجاريا للأقمشة والأجواخ في سانتياغو واستقر فيها ، وفي عام 1920 م هاجر من الفحيص إلى تشيلي كفوري نمر صويص وعيد طحيمر الصويص وسلامه عيد الصويص وداود الخوري صويص واستقروا في بلدة كيوتا ثم تركوها واستقروا كلهم في فينيا دلمار للعمل بالتجارة ، وبعدها بست سنوات هاجر من الفحيص إلى تشيلي حنا سلوم صويص وعايد عباس صويص وفرح نصر صويص وإبراهيم سلمان المضاعين وإبراهيم الطرفان البديوي وميخائيل سلوم صويص وكانت وجهتهم مدينة فينيا دلمار ، وكان ميخائيل سلوم صويص من مهاجري المكسيك فتركها إلى تشيلي ، وبعد عام وفي 1927 م هاجر من الفحيص إلى تشيلي خليل حنا صويص وما بين سنتي 1928 م و1930 م هاجر من اهالي الفحيص إلى تشيلي ناصيف مضاعين وفرح سليمان صويص ومزيد سعيفان صويص وعيلص أيوب شتيوي وجريس طرفان بديوي وبرهم سليمان المضاعين وحنا نقولا الخوري وفريد موسى صويص وسليمان مساعف صويص ومينا فضيان صويص وعوده طحيمر صويص وميخائيل إبراهيم صويص وفرحان عيسى صويص وكلهم استقروا في مدينة فينيا دلمار وعملوا بالتجارة ، وعلينا أن نلاحظ أن بعض المهاجرين كانوا يهاجرون من تشيلي إلى المكسيك والعكس صحيح ، وهي مسألة ترتبط بأوضاعهم في محل هجرتهم الأولى أو بوجود أخوة أو أبناء عمومة يهيئون لهم المكان ويستقدمونهم ، وربما تتكرر بعض أسماء المهاجرين بين قائمة البدوي الملثم للمهاجرين إلى تشيلي أو المكسيك .
أوراق
الأجداد..
أيها الأعزاء تمثل هذه الأوراق المشروع الكبير الذي بدأته ذات يوم في صحيفة الرأي بزاوية أسميتها ( ذاكرة الوطن ) وذلك في أيار عام 1999 م، وقد استمرت هذه الزاوية حتى أواخر عام 2000 م، وارتبط بي اسم هذه الزاوية، ثم انتقلت لاستكمال هذا المشروع الوطني بزاوية موازية أسميتها ( أوراق الأجداد ) ونشرت منها حلقات في الرأي أيضا، لكنها توقفت.. وها أنا أعاود فتح أوراق الأجداد الذين دونوا تاريخ هذا الوطن الصغير بحجم بعض الورد والذي نراه كلنا يطاول العالم الآن . هذا إذن بعض ما كتبه الأجداد، إنهم يستحقون أن نعيد نبض قلوبهم وتجليات عقولهم ومشاعرهم الطيبة بطيبة هذا الوطن . سأقلب معكم أوراق الأجداد والسعادة تغمرني، سأستعيد معكم ومن أجلكم أوراق أجدادنا ونبضات قلوبهم الطيبة بطيبة تراب الوطن.
د. هند ابو الشعر
نحن والمذكرات
تستوقفنا ظاهرة طيبة لدى أجدادنا في مطلع القرن العشرين، فقد كانوا يسجلون يوميات مشترياتهم وما يدخلهم من عوائد بيع المحاصيل والمواشي على أوراق أو في دفاتر مدرسية أو مفكرات، بعضها بخط قلم ( الكوبيا ) وبعضها الآخر بالريشة، نعم بالريشة إياها التي يغطونها بالحبر الأسود وأحيانا بالأحمر، وهي عادة طيبة نفتقدها نحن اليوم في عالم الانترنت والمولات والمؤسسات التجارية الضخمة، لأننا لا نجد وقتا لتسجيل مصروفاتنا التي ترهقنا فلا نتذكرها عمدا، فهل يعود إهمالنا تدوين المصروفات إلى توافر المال بين أيدينا أم انه لضيق وقتنا أم ماذا..؟.
لدي الآن مجموعة من أوراق الأجداد الذين وثقوا يومياتهم ببساطة، لم يقصدوا أن يكتبوا تاريخا، ولم يخطر ببال أحدهم أن تصبح قائمة مشترياته البسيطة جزءا من قراءة دقيقة للحياة الاقتصادية والاجتماعية آنذاك، فالعملة قليلة بين أيدي الناس، ورواتب الأجداد قبل عهد الإمارة كانت بالقروش، ومهور الجدات كانت أيضا بالقروش، إلا الجدات المحظوظات اللواتي قبضن مهورهن بالليرة العصمللي أو الليرة الإنجليزية أو الفرنساوية وأحيانا بالنمساويات الذهب.. ! وكانت القروش تعيل أسرة، لذا كان رب الأسرة يحرص على تسجيل مصروفاته ومشترياته لحصر ميزانيته البسيطة، أما أصحاب المصالح التجارية من مالكي المواشي والمحاصيل الزراعية والعقارات، فقد حرصوا على تسجيل كل صغيرة وكبيرة، وقدموا لنا دون أن يقصدوا، صورة دقيقة لأسعار المواشي ومراعيها وأسعار الحبوب وأسواق البيع والشراء، وأسماء التجار ومواطنهم التي قدموا منها، وأصبحت الأوراق اليومية العادية وثائق ممتازة مع أنها ليست محفوظة في دور الأرشيف أو مركز الوثائق والمخطوطات.. إنها وثائق تحمل صورة الحياة اليومية للناس في الوطن بلا رتوش.. !
ولكن، هل سجل الناس في الوطن مذكراتهم اليومية.. ؟ ومن هم الذين اعتنوا بتسجيل هذه اليوميات.. ؟ وهل يوجد لدى جيل العشرينيات من القرن الماضي دوافع لتسجيل أحداث المرحلة وتدوين اليوميات فيها.. ؟