طقوس الاستمطار في معان قديما
أم الغيث، ينشدونها عندما يشح المطر
عندما تشح الأمطار في مواسم القحط يطلب الناس السقيا ويتضرعون إلى الله أن ينزل عليهم الغيث كي تحيا الأرض ويأتي الربيع الذي تحيا به الطبيعة ويعتاش منه الإنسان ليجدد معه دورة الحياة ،و قديما في معان كان الأهالي يتجمعون في مصلى خارج المدينة ويصلون صلاة الاستسقاء وعادة ما يكون اجتماعهم خارج المدينة في الجهة الغربية منها ،بينما يتجمع الأطفال في ساحة المنزلة ويتداعون من الحارات، ويناشدون السماء ويطلبون منها أن تغيثهم ويسمع الأطفال من كبار السن بأن المطر قد تأخر وانه لا ربيع ولا خير بدون المطر ويتحفز الصغار ويتهيئون لممارسة بعض الطقوس القديمة كي ينزل المطر مطالبين أم الغيث - وهو اسم يدل على الانثى التي تهب الخير- بأن تجود بالمطر ، فيجلبون الثوب الهرمزي المعاني وهو لباس العروس المعانية الملون وفي دلالة على أن الأنثى هي رمز الخيروالخصب ، فيعلقونه على لوح خشبي أو مذراة ، تماما كما تصنع الدمية أو الفزاعة ثم يطوفون بها في منطقة المنزلة ويتجولون بها في الحارات والأزقة والشوارع وتسمى طقوس الاستمطار هذه أم الغيث ، وعادة ما تنطلق أم الغيث من أحد المنازل قرب القلعة حيث يجتمع الأطفال هناك تمهيدا للانطلاق بتلك المسيرة الطقوسية ، ويحمل هذا الثوب المعلق – ثوب العروس- أحد الأطفال ،ويطوف معه الأطفال وهم ينشدون :
يا أم الغيث غيثينا بلي شويشة راعينا
وراعينا حسن الاقرع لا بوكل ولا بشبع
غير الدود الدود الدود والعسل عنده مردود
يا ام الغيث يا دايم بلي زرعنا النايم
بلي حجرة المنطار خلي سيلها يدعج
وقد يرافقهم الدرويش الذي يرتدي اللباس الأخضر فيتقدمهم ويقودهم ويطوف معهم رافعا يديه إلى السماء وقد اخبرني أحدهم عن الدرويش الذي كان يسكن حي القناطر وهو الذي كان يتقدم المسيرة التي تبدأ من الحي وتتجه نحو المنزلة ، ويستجدي الجميع الطعام والطحين وغيره و يطلب هؤلاء الأطفال من الأهالي شيئا من طعام أو نقود فيقدم الأهالي لهم ما تجود به أنفسهم من طحين أو سكر أو ينقدوهم بعض الملاليم وينطلق الأطفال فرحين منشدين ، وتستمر الحفلة الطقوسية التي تناشد السماء إنزال المطر إلى تلك الأراضي العطشى ، فيفرح الأطفال بماعادوا به من طعام ونقود وتفرح السماء وتفرح الأرض حينما تذوق طعم المطر الذي تحيا به ، وتتشابه هذه الطقوس مع طقوس الاستمطار لدى شعب الأمازيغ شمالي أفريقيا والمسمى بالتاغنجا حيث تكون الدمية موجودة ويطاف بها في الأحياء ويرشها الأهالي بالماء هي والموكب وهذه الطقوس أفريقية الأصل قديمة جدا تعود إلى آلاف السنين ، ونرى طقسا شبيها بهذا الطقس لدى أطفال معان الذين كانوا يطوفون بمجسم مخروطي من الطين أو العجين تغرز فيه حبات الشعير فيطوفون به في الحارات والأزقة طالبين الشفاء للمريض ويطلبون من الأهالي شيئا من الطعام والنقود ، ويعتبر هذا الطقس (ام الغيث) من طقوس السحر القديمة التي تدخل في باب (قانون التشابه) الشبيه ينتج الشبيه ويسمى هذا النوع السحر التشاكلي أو سحر المحاكاة ( المعلول يشبه علته وقد اورد جيمس فريزر عشرات الامثلة حول هذا الطقس المائي القديم لدى الشعوب البدائية (صالح ابو طويلة)